إن تخيّل الحياة بعد عشرة آلاف سنة هو تمرين مشوّق من الخيال العلمي. على الرغم من قناعتي التامة بأن مصطلح "خيال علمي" قد انتهى ولم يعد صالحاً للحياة؛ ليس لأن الخيال العلمي قدّم كل ما يملك، ولكن لأن زجاجة الخيال العلمي تختنق بمياهها. فعلى سبيل المثال، في عام 23450 قد يرى أحدهم أثرنا.
نحن بطبيعتنا نكره فكرة الأزمنة الممتدة نحو أبعاد زمنية خارقة، ونفضّل التفكير في الفترات الزمنية القريبة، لذا نميل مثلاً إلى خلق رؤى حول عام 2030 ونرى في ذلك إنجازاً ضخماً. ولكن، ماذا عن رؤية مستقبلية تتعلق بعام 2100؟ إنه امتداد زمني يصعب التنبؤ به، بل قد يكون من المستحيل تخيله. وفقاً لهذا المنوال، تعتبر أي رؤية تمتد إلى ستة آلاف عام في المستقبل أشبه بأفكار خيالية. ومع ذلك، بعد حوالي 20968 سنة من الآن، قد يجد أحدهم سبيله إلى الأثر الرقمي لهذه المقالة.
أفكر فيما لو أن البشرية في المستقبل البعيد جداً ستكون قد ازدهرت فيها اختصاصات الحفريات الرقمية. أفكر في أن البيانات التي نرميها يومياً على الإنترنت قد تصبح مشوَّشة وصاخبة جداً بحيث يصعب ترتيبها. عندها ستحتاج البشرية إلى اختصاص جديد يعمل كما تعمل علوم الحفريات مع الهياكل العظمية. وفي حال وجد أحدهم في المستقبل البعيد سبيله إلى هذه المقالة، عليه أن يفهم أننا نخوض تجربة مختلفة جداً في التدوين، بعدما رمينا في البحر أساليب التدوين التي طوّرها الإنسان قبل ستة آلاف عام.
صحيح أننا بعد 20968 عاماً من الآن سنظهر كما كنا دائماً؛ فنحن ما زلنا نموذجاً جيداً للذكاء، ونقول الأمر نفسه عن أسلافنا القدماء. ونفتخر بشدة بإنجازات الثورة الزراعية التي حدثت قبل حوالي 13000 عام. لذلك، في المستقبل البعيد جداً، قد نبدو كما كنا دائماً؛ نموذجاً فريداً يطمح دائماً إلى استهداف المستقبل بطموحاته. ولكن، في المستقبل، قد نبدو أيضاً أغبياء؛ فلم نكن يوماً استثناءً في إنتاج الذكاء، وتاريخنا حافل بإظهار أسلافنا أغبياء مقارنةً بما نحن عليه اليوم، وسنبدو نحن أغبياء مقارنةً بأحفادنا غداً أو بعد ألف عام.
وكثيراً ما تتوافد إلى ذهني الأسئلة العملاقة: من هي أنجح حضارة في التعامل مع المستقبل على مستوى التخطيط وتحقيق المخططات المستقبلية؟ هل يمكننا تخيّل الحياة بعد عشرة آلاف سنة من الآن؟ هل نعتقد أن عشرة آلاف إنسان فقط على الأرض قادرون على تطوير الحياة؟ ما الفرق بين أرضٍ عليها عشرة آلاف إنسان فقط، وأرضٍ تحتوي على مئة ألف إنسان؟ كيف ستختلف الحياة بين الأرضين؟